يعمل عمرو خالد محاسباً. وهو رجل عادي المنظر، تتراجع منابت شعر رأسه للخلف، ذو شارب قد أولي من العناية الكثير، ومولع بارتداء البدلات الأنيقة. إذا أخذته الحمية، مال إلى رفع الصوت كدأبه غالباً إذا ما تحدث عن الإسلام. ولا شيء من ذلك على ما يبدو يهم مريديه الكثر الذين يحتشدون بالآلاف في مسجد بإحدى ضواحي القاهرة ليستمعوا إلى دروسه الدينية، يتخطفون الشرائط المسجلة عليها دروسه، ويجلسون أمام أجهزة التلفاز متسمرين وقد شدهم برنامجه الذي يذاع على الهواء مرتين كل أسبوع.
ويبدو أن كونه شخصاً عادياً هو الذي ارتفع به إلى النجومية العالمية حتى صار أشهر داعية إسلامي في عصره. يلقي حديثه بلغة الطبقة المتوسطة المصرية ويبسط آيات القرآن المركبة في صورة قصص سهلة، ويقول إنه يعلم أن أحداً لا يبلغ الكمال.
يقول عماد صبيح وهو طالب بجامعة القاهرة: "الذي يحببني فيه أنه يخبرنا كيف أن الله يحبنا ولا يتربص بنا".
إن مشاهير الوعاظ ليسوا بالأمر الجديد على العالم الإسلامي ولكن عمرو خالد، ابن الرابعة والثلاثين ربيعاً، فريد من نوعه.
ويقول ضياء رشوان، وهو محلل سياسي متخصص في الشؤون الدينية: "لكل مجتمع مشاهيره، فالأمريكان عندهم مايكل جاكسون. أما نجومنا فقد شاءت الصدفة أن يكونوا ممن يتحدثون عن الدين".
ويبدو أن عظات عمرو خالد تلبي توق مستمعيه من المسلمين إلى نموذج ديني لا يمثل خطورة سياسية أو يفرط في التشدد.
لا تكن "عبوساً"، هكذا قال في إحدى مقابلاته التلفازية الحديثة، ويقول أيضاً "تخبرنا الكتب أن النبي ص وصحابته كانوا سعداء يعلوهم البشر وتمتلئ قلوبهم بحب الله".
وبينما نجد معظم الدعاة التلفازيين من ذوي اللحى المتجهمين ينذرون المذنبين بعذاب الجحيم تجد عمرو خالد يتحدث عن حاجة المسلم لأن يكون مهذباً، مستبشراً، حسن المظهر. وبينما يجتهد آخرون في إعراب آيات القرآن حتى يستخرجوا منها الأحكام الدينية، نجد عمرو خالد يستحث الناس بعذب حديثه لإقامة الصلاة مستعيناً على ذلك في كثير من الأحيان بإطرافهم بشيء من النوادر التي حدثت في حياته وهو في كنف أبيه الطبيب السكندري.
وتقول رونا حسني، موظفة ببنك في الإسكندرية: "إن الأسلوب القديم في الحديث عن القرآن الكريم لا تكاد تفهم منه الكلمات، ومثله كمثل أن تكون مجبراً على قراءة لشكسبير بالإنجليزية القديمة". وتضيف: "إن الأستاذ عمرو خالد يجعل من فرائض الإسلام أموراً مترابطة. فبعض الناس اعتاد أن يقول إذا كنت متديناً فأنت متخلف. ولكنه يقول: أن تكون متمدناً لا يعني بالضرورة ألا تكون متديناً، وأنا أرتاح لذلك".
وبعض خطبه التقليدية تبدأ بذكر قصص النبي ص ثم يدلف منها إلى الحديث عن أمور تتعلق بالشخصية. ويقول: حاولوا أن تتخذوا لأنفسكم سلوكاً لا تمتعض منه الملائكة، وتذكروا أن الملك ينفر من الشخص الذي يدخن أو يبصق أو لا يهتم بنظافة ثيابه. فإذا ما وصل بالحديث عند نقطة معينة حاول أن يحث النساء على ارتداء الحجاب. ولربما اتسم بالحزم بعض الشيء في هذه النقطة، حيث يقول إن الأم التي تقول لابنتها تريثي كي تستمتعي بحياتك قبل أن تغطي شعرك لن تدخل الجنة.
تقول عبير عطيفة، وهي أستاذة جامعية في أوريجون والتي استمعت إلى حديث الأستاذ عمرو خالد بينما كانت في زيارة لعائلتها بالقاهرة هذا الشهر : "إنه يعلم الأشياء التي اعتدت أن أحدث بها نفسي؛ كأن أقول إنني حينما أبلغ الأربعين أو الخمسين سوف أرتدي الحجاب. وكأنه يقرأ دخائل النفوس".
وفي الأسبوع الماضي بعد أن تدبرت السيدة عبير نصيحة الأستاذ عمرو خالد قررت أن الوقت قد حان، ووضعت على رأسها منديلاً ملوناً وثبتته بالدبابيس حتى لم يدع خصلة من شعر رأسها إلا غطاها. وقد ذاعت شهرته الشهر الماضي عندما قامت شبكة ART الفضائية (عبر قناة اقرأ.. المترجمة) ببث دروسه الليلية في رمضان بثاً مباشراً حتى لم يدع بيتاً في العالم العربي أو أستراليا أو كندا أو أوروبا إلا دخله، فتجده يجلس كل ليلة هادئاً على أريكة تحت أضواء التلفاز الشديدة بسينما ريفولي الفسيحة بوسط القاهرة حيث زهوة أضواء النيون الوردية والزرقاء وخلفه ستائر المسرح. أما الجمهور الذي لم يدع مقعداً شاغراً، فتجد فيه العائلات بملابسهم العادية (الكاجوال) وقد اصطحبوا أطفالهم، ينصتون إليه وكأن على رؤوسهم الطير. فإذا ما أشرف العرض على الانتهاء رفع يديه إلى وجهه بالدعاء إلى الله، فترى الرجال والنساء وأعينهم تفيض من الدمع.
وليس ثمة ترتيب معين للعرض، ولكن مسؤولي الشبكة قالوا إن دراستهم المباشرة أظهرت أن للأستاذ عمرو خالد أتباعاً في كل البلاد العربية تقريباً.
يقول ميلاد بسادة وهو مخرج تطوير برامج بشبكة ART: إنه شاب جذاب يرتدي بدلة، ويتحدث اللغة اليومية. قد لا يكون أقل تشدداً من سواه، لكنه يسلك إلى غايته منهجاً لطيفاً.
وللأستاذ عمرو خالد خصوم بالتأكيد ولكنهم لا يستطيعون أن يبغضوه. كتب عنه يحيى الرخاوي مؤخراً في جريدة الوفد المعارضة يقول: "يسعدني أن أرى الشباب وقد التفوا حوله بدلاً من تدخين الشيشة أو الانخراط في جماعة عبدة الشيطان، لكن ما أخشاه أن يظل الملتفون حوله مشغولين بعذب حديثه الديني عن السلام والرحمة وأن يلهيهم ذلك عن واجباتهم تجاه المجتمع".
ولكن ربما كان ذووا النفوذ غير مرتاحين لشعبية الأستاذ عمرو خالد. فحتى بضعة أشهر مضت، اعتاد عمرو خالد أن يجتذب الآلاف إلى مسجد بمنطقة المهندسين بالقاهرة التي يقطنها الأثرياء. وإذا بالأستاذ عمرو خالد يخبر بأنه ممنوع من إلقاء الدروس هناك لما سببه من ازدحام مروري. والآن فإن مسجده الوحيد الذي يداوم على الظهور فيه يقع في مدينة السادس من أكتوبر، والتي تبعد عن القاهرة 25 ميلاً.
وما زادته الشائعات التي راجت عن منعه إلا شعبية.
يقول المحامي محمد زارع الذي يقع مكتبه بجوار مسجد المهندسين: "لقد نظر إليه الناس في البداية على أنه شهيد الحكومة. ثم ما لبثوا أن قالوا إن إبعاد الحكومة له ربما قربه من قلوبنا".
مجلة المجتمع: 24/01/2002 - العدد (1485)