(( قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ))
ما أشد تنكر هذا الإنسان لربه، وما أعظم جحوده لخالقه، خلقه ربه من العدم فشك في وجود ربه، وأطعمه من جوع فشكر غيره وأمده بالقوة فعصى بها مولاه هذا الإنسان إن لم يهتد بهدى الله فهو كنود، يمرض فيخشع، فإذا شفاه ربه نسي وتكبر، يفتقر فيخضع، فإذا أغناه الإله طغى وبغى، يبتلى فينكسر ويدعو، فإذا عافاه خالقه تجبر وعتى، عنده آلاف النعم فيكتمها ويطلب غيرها، لديه مئات المواهب فيجحدها ويسأل سواها، ثقيل على الطاعة، خفيف إلى المعصية، بطيء عند الأوامر، سريع عند المناهي، قدري في الطاعة، جبري في المعصية، يتلهف على المفقود، ولا يشكر الله على الموجود.
سماع الأغاني أخف عليه من سماع المثاني، سهرةُ لهو أحب إليه من ساعة مناجاة رفقة البطالين أشهى لديه من صحبة الصالحين، يأكل الطعام ولا يشكر من أطعمه، ويشرب الشراب ولا يحمد من سقاه النعم تغمره من كل مكان وهو في شرود ونسيان، خلقه ربه فعبد سواه وأمره ونهاه فاتبع هواه، لو أهدى له مخلوق خميلة لشكرها، كل نعمة لديه من ربه قد كفرها، يحبِّر القصائد في مدح العبيد، ولا يمدح ذا العرش المجيد، يسطر المقامات في الثناء على المخلوق الهزيل، ولا يسطر مقامة في الثناء على العزيز الجليل، يقف على أبواب البخلاء، ولا يقف على باب رب الأرض والسماء، مع العلم أنه لا يصله منهم ذرة إلا بقدرة الملك الحق، وبمشيئة الغني الحميد، يمنحه رب المال، فيقول: إنما أوتيته على علم عندي، يوليه ربه قطعة من أرضه فيقول: أليس لي ملك هذه الأرض، بقوتي ملكت وبقدرتي حكمت، يهبه ربه قوة الأعضاء وصحة الجسم فيركض مغروراً ويقترف الخطايا مسروراً.
إذا كان له عند ربه مسألة ذل وتمسكن حتى ينالها، ثم يمر متكبراً جاحداً، إذا أصابته رزية بكى وشكى وتأوه، فإذا كشفها الله ذهب مختالاً فخوراً، إذا جاع انكسرت نفسه، فإذا شبع سهى ولها ولغى، يأكل بلا حمد، ويشرب بلا شكر، ويسكن بلا ثناء، ويتنعم بلا اعتراف، يمن على ربه ركعات بلا خشوع، وتلاوة بلا تدبر، وصدقة بلا نية، ولا يحفظ لربه نعمة الحياة والرزق والمال والولد، والعينين البصيرتين، والأذنين السميعتين، والشفتين واللسان واليدين، والأنف والرجلين، تصب عليه النعم صلباً، وتنهمر عليه العطايا انهماراً وهو لئيم مريد عنيد.
على من تلعب يا كفور، ومن تخادع يا مغرور، إن صلى سهى، وإن قرأ لها وإن تكلم لغا، يأخذ ولا يعطي، يحفظ عدد النعم ووصفها، وينسى شكرها والثناء على من أهداها، جمّاع منّاع طمّاع، إن مرض حسب أيام المرض ولياليه وساعاته، وإن تعافى نسي شهور العافية وأعوامها، إذا أعطى درهماً فهو مثل أحد عنده وإن أعطاه ربه قنطاراً من ذهب فهو ذرة في ميزانه، إلا من آمن وشكر، وأحسن وصبر، وأطاع وذكر.
