من اسباب الخشوع في الصلاة
الحمد لله العلي الأعلى, الكامل في الأسماء الحسنى والصفات العليا, رب السماوات ورب الأرض ورب الآخرة والأولى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والجود الذي لا يحصى,
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من تعبد لله ودعا, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليماً كثيراً...أما بعد:
فإن الخشوع والتذلل بين يدي الله تعالى لمن أعلى وأشرف مراتب العبودية التي يتذوقها المسلم في صلاته ومناجاته لربه -جل وعلا-،
والمسلم بحاجة لمعرفة المؤثرات التي تكون سبباً لجلب الخشوع في الصلوات ونحوها خاصة وأن الشيطان قد أخذ العهد على إضلال العبد وإغوائه بزخارف الدنيا وزينتها,
فهو لا يترك العبد يدخل في صلاته إلا وشغله بهموم الدنيا وملذاتها حتى يخرج من صلاته ولم يدر ماذا قرأ وكم صلى,
لذلك كان حريّاً بالمسلم أن يبحث عن الأسباب التي تطرد عنه الشيطان ووساوسه, وتجعله يقبل على ربه بخشوع وتذلل ليفوز بلذة العبادة وصدق المناجاة والفلاح في دنياه وآخرته؛
حيث أن الخشوع من أساسيات الصلاة التي لا غنى للمصلي عنها في صلاته, ولنذكر هنا شيئاً من الأسباب الجالبة للخشوع وحضور القلب مع الله تعالى ومن ذلك: شعور العبد بأنه يناجى ربه جل وعلا :
فمن التوجيهات النبوية في ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن ابن عمر -رضي الله عنهما-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ بِمَا يُنَاجِي رَبَّهُ)1.
ومن أسباب الخشوع إخلاص النية في التقرب إلى الله تعالى بالعبادة, فيجدد المسلم نية التقرب إليه سبحانه في كل صلاة ليكون قلبه حاضراً معه وليثاب على هذه النية الخالصة.
إن الإنسان إذا خرج إلى أي عمل من الأعمال وقد استحضر له نية فإنه يُعمل فكره في ذلك العمل حتى يكون مستعداً لإتقانه ولدرء العوارض التي تحول دون نجاحه،
فليستحضر المصلي أنه ذاهب لمناجاة الله تعالى وليعمل فكره في محاولة إنجاح هذا اللقاء العظيم.
ومن أسبابه:
تدبر معاني الآيات والأذكار الواردة في الصلاة، فإذا أراد الشروع في الصلاة بالتكبير فليفهم معنى ما يقول،
فإذا كان الله -جل وعلا- أكبر من كل شيء فلا يلتفت العبد إلى غيره، ولعل هذا من حكمة تكرر هذه الصيغة في الانتقال بين أركان الصلاة،
فإذا كبر المصلي بلسانه فليكبر أيضاً بقلبه، وذلك بحضور القلب وتذكر معنى هذه الصيغة، وإذا استعاذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم فليتذكر عظمة الله -جل وعلا-في مقابل ضعف الشيطان وحقارته،
وإذا قال سبحان ربي العظيم، فليتذكر أنه يعظم الله -عز وجل- بقوله وفعله حيث إن الركوع هيئة تعظيم، فلا يقتصر في التعظيم على القول والفعل دون اعتقاد القلب،
وإذا سجد فليتذكر وهو في أخفض حال علوَّ الله سبحانه على كل شيء, فيكون قد جمع في الإقرار بعلو الله تعالى بين القول والعمل والاعتقاد،
وهكذا في بقية أذكار الصلاة، وليتذكر معاني الآيات التي يتلوها ويشتغل بتدبرها، وبهذا يكون قلبه ولسانه وجوارحه متجهة نحو الله تعالى في كل الصلاة, حيث إن الصلاة ليس فيها فراغ للتفكير في الدنيا وما فيها.